الجمعة، 6 يناير 2012

عرض لكتاب (الآن أفهم)


 
على سبيل التقديم:
عرض للكتاب وليس تلخيصا.. والفرق بين تلخيص الكتاب وعرضه هو الفرق بين السرد والتشويق، ففي التلخيص يتم التركيز أكثر على الأحداث والأفكار التي يطرحها الكاتب، اما العرض فهو عرض وجه نظرك أنت ومحاولة لتشويق القارئ لقراءة الكتاب.
وبما أن دكتور أحمد خالد توفيق هو أبي الروحي، وصديقي الذي لم أقابله أبدا، ومعلمي الذي تعلمت القراءة من كتاباتة، وحبيبي على إعتبار أن ليس لي حبيب سواه حتى الآن، فكان أول كتاب قمت بعرضه هو أحد كتبه التي استمتعت بها بالفعل وكلي أمل أن أستطيع تشويق -هؤلاء الغير مصابين بداء القراءة مثلي- لقراءة الكتاب..

العرض:
الآن أفهم كتبه الدكتور المبدع د. أحمد خالد توفيق، صديق الطفولة والمراهقة والشباب.. صديقي الذي لم أقابله أبدا. من أهم بل وأول رواد أدب الرعب وأدب الشباب في مصر والعالم العربي، فعندما تستمر في القراءة لنفس الكاتب منذ عمر الحادية عشر وحتى الرابعة والعشرين بنفس الحماس ونفس الإنبهار والشغف فبالضرورة أن يكون الكاتب متميز ومتجدد.
اسلوبه يعتمد على السخرية في المقام الأول ثم تتوالى بعد ذلك أساليب جذب أخرى كالإثارة والدهشة والغموض وبالتأكيد الرعب.. ولكني أضمن لك أنك ستظل في كل الأحوال تلتهم الكلمات لكي تصل متشوقا إلى نهاية كل قصة.
الآن أفهم هو مجموعه قصصية، يحتوي على ثلاثة عشر قصة قصيرة ستجد منها ما هو واقعي جدا بل بالعكس قد تشعر أنك مررت بهذه الحكاية أو تلك مره، و كذلك ستجد منها ما هو فانتازيا ليس لها أي علاقة بالواقع، و كثيرا ما تجد تلك التي تتحدث عن الزومبي أو الموتى الأحياء وآكلي لحوم البشر ومصاصي الدماء...
بدأها د.خالد بـ "الدور الثالث شقة 8".. و هذه القصة بها جزء خيالي فهي تتحدث عن شقة انتشر فيها الجنون، فهو يلهو بمشاعر سكانها منذ عام 1941 وحتى عام 2008  فيجعلهم يتوهمون أشياء ليست حقيقية ينتج عنها إصابه أحد أفراد الأسرة بالجنون الذي يدفعة لقتل أفراد أسرتة واحدا تلو الآخر ليقتل نفسة في النهايه. القصة بها جزء مقتبس من الأسطورة الإغريقية صندوق بندورا الذي أحتُجزت فيه كل المشاعر البغيضة كالكرة والحقد والحسد وما إلى ذلك وفتحه الفضول ليعم العالم كل تلك المشاعر السيئة.. كانت القصة كذلك: صندوق مغلق به ورق مكتوب فيها ((إنه الجنون)) وكلما أتت أسرة لتقطن تلك الشقة فتحوا الصندوق ليصيبهم الجنون الذي يبدأ بشك زوج بزوجتة، أو بأب يضرب إبنه حتى الموت لإختلاسة النظرات على الجيران من النافذة و ينتهي بقتل أحد أفراد الأسرة للبقية. ولكن ما أثار إعجابي بشدة هو وصف د.خالد لمشاعر الطفل الذي يرى العالم كبيرا جدا ويرى كل الكبار يوبخونه بلا داعي لمجرد أنه طفل، ويستمتع بالفوضى الناجمة عن عمل تجديدات بالبيت، كذلك تأثر الأطفال بالوالدين أو  بالكبار عموما وتأثره بشدة عندما يشاهد الوالدين يتشاجران. كما أعجبني بشدة تعبيرا على لسان الطفل: "العمال يصلون في العاشرة صباحا لأنهم بهوات كما يقول بابا".
القصة التالية هي "فالوذج".. ولقد دفعني هذا الإسم إلى البحث عن معنى الكلمة حتى توصلت في النهاية إلى أنها نوع من الحلوى العربية يصنع من الدقيق والماء والعسل ويحكي فيها د.خالد عن رجل مصري يعيش في بلدة غريبة ويرتبط بمطعم بهذا الإسم لأنه يقدم الأكلات العربية -على حد قولة- ولكنه يندهش عندما يجد أمورا غريبة مثل عظمة طويلة تبدو كأنها من قفص صدري لإنسان، شعرات سوداء طويلة في الطعام، جوهرة صغيرة تشبه أخرى كانت في إصبع أحد الرجال الذين كانوا يلتهمون الطعام في شراهة، وفتاة تتدعي أنها تحبه لتجذبه إلى المطعم. كل ذلك يضطره إلى أن يتسلل إلى المطعم ليلا ليتأكد من شكوكه ليجد أحد العمال يوجه فوهه مسدسه نحو رأسه، يطعنه بسكين كان قد ألتقطها من المطبخ بمجرد دخوله، تتفاجئ في النهاية أن ذلك الرجل له مزاج مختلف عن معظم المصريين في الأكل وأنه أعتقد أن هذا المطعم يقدم هذا النوع من الطعام ولكن دفع ذلك العامل المسكين ثمن فهمه الخاطئ ودفع صديقة الوحيد أيضا الثمن لأنه علم بحقيقته وعزم على إبلاغ الشرطة.. وانتهت القصة وهو يلتهم جثة العامل الذي قتله عسى أن تكفيه مدة أسبوع أو إثنان.
ثم يلي ذلك "في إنتظار التترات".. ولقد أحببتها بشدة ربما لأنني أميل لهذا النوع من القصص الذي يأخدك في سياق ما ثم تجد القصة مختلقة تماما عما توقعت. هي قصة ممثل في أفلام رعب ولكنه ليس ممثلا كما نعرفه!.. يقول عن نفسه: "أقدم لك نفسي.. (ديفيد كالاواي) بطل أفلام رعب.. لا أعني أنني ممثل بل أنني أعيش فيلم رعب فعلا.." والمقصود أن هناك حياة حقيقية داخل الأفلام ليس الأمر مجرد سيناريو وممثلون... وتشارك البطل في هذا الفيلم فتاة تدعى سارة.. يقول عنها أنها ستموت في النصف الأول من الفيلم لأن ملابسها خليعة و تتعاطى المخدرات. في بدايه الفيلم يراقب ديفيد التترات ليبحث عن إسمه فإذا وجده في البداية فذلك يعني أنه سيعيش حتى النهاية.. يجد نفسه في سيارة هو وفتاتة على طريق سريع.. يثق تماما أنه السيارة ستتعطل في بلدة غير موجودة على الخريطة ويسكنها أكلة لحوم البشر وهو ما حدث بالفعل.. بدأت السيارة في إصدار أصوات توحي بأنها تالفة.. و أخيرا تعطلت في بلدة خالية تماما، يدخلون حانة صغيرة ليجدوا أحدهم وقد تمزق وجهه ثم سقط أرضا ثم يجد مسخا يحمل شكلا بشريا لكنه يعوي كالذئاب – على حد قول الكاتب –  ويزحف على أربع.. أطلق علية بعض طلقات ليسقطه وسط بركة من دماءه وبعد دقائق معدودة يجد صديقتة وقد سقطت على ركبتيها ويديها وتصدر صوت غريبا.. فتيقن أنها كعادة تلك الأفلام قد تعرضت للعض من المسخ وتحولت، يطلق عليها طلقتين ليسقطها أرضا و يحاول الفرار إلي مبنى خشبي قديم.. يحيط به تلك المسوخ.. دخل المبنى ووجد برميل وقود ركله ليغرق به الأرض ثم وثب من النافذة حتى دخل آخر مسخ منهم فأغلق الباب وألقى بعود ثقاب من النافذة وأشعل المبنى الخشبي... وانتظر التترات ولم يجدها ولكنه وجد يد تقبض عليه ومجموعة من الرجال يضعون الأصفاد في يده.. ثم المشهد الأخير الرجل في غرفة مقيد على سرير في إحدى المصحات النفسية وما يزال منتظرا تترات النهايه.... لقد أحببت تلك القصة بحق.
فيروس يصيب القاهرة يؤدي إلى تآكل سكانها إلا واحدا.. كان ذلك موضوع "التآكل" فبطل القصة ما زال على قيد       الحياة وتصور أنه ما زال حيا لأنه إعتاد أن يبدأ يومه بالعسل وفص الثوم.. بدأ الأمر منذ خمسون يوما.. الشوارع مليئة بالهياكل العظمية التي كانت بشرا وتحللت، سيارات وحافلت مدارس تعترض الطريق لأن سائقيها تحللوا وتحولوا إلى هياكل عظمية، زوجته لم تعد للمنزل منذ ثلاثة أيام وهو لا يزال على قيد الحياه معتقدا أنه الوحيد الذي ما زال حيا.. إلى أن قابل صدفة نرمين، طبيبة مختصة بعلم الميكروبات جاءت إلى المنزل الذي إتخذه مخبأ له. في البداية شعر بالقلق منها خوفا من أن تصيبه بالعدوي، عرف منها أنها تناولت عقار الأمانتادين وحقن الإنترفيرون على سيبل الوقاية وأنها تعتقد أن ذلك ما حماها كل تلك المده. ظل مطمئنا لها إلى أن وجد تلك الصراصير - التي كان يقيس بها مدى نقاء المكان من الفيروس - وقد إنقلبت على ظهرها، ولكن تبددت مخاوفه عندما بدأت نرمين تتآكل أمامه...!          وقبل أن تتحلل كليا كانت تقول إن مصدر لعدوى هو... أ.. أ..  ولم تكمل. في نهاية القصة يتذكر البطل الأحداث التي وقعت منذ خمسين يومأ.. كان في الصحراء وكائنات غريبة حقنته بشيء ما وكان يعرف حينها أنه لن يموت.. وكان هو الموت نفسه أو مصدر العدوى!! .. تفاعلت مع القصة جدا لأنها أرتني أننا أحيانا نتصور أننا مظلومين ونكون نحن أنفسنا أسباب المشاكل، نتصور أننا الأفضل والحقيقة أننا الأسوأ، وذكرتني القصة بقولة صلى الله علية و سلم: "طُوبى لمنْ شَغَلَهُ عَيبُه عن عُيُوبِ النّاسِ"، وبالمثل المصري الشهير ((عيوبي لا أراها وعيوب الناس أجري وراها))...
"هذا الجدار".. القصة مجموعة من الخطابات يرسلها شخص يدعى محمود إلى آخر هو عصام، محمود إشترى شقة من عصام بثمن بخس في مقابل أن يتعهد له بعدم هدم جدار في غرفة الصالون وبعد فترة تلح زوجة محمود على هدم الجدار لأنها تسمع أصواتً غريبة وأيضا هناك روائح غريبة والأهم من ذلك أن الجدار يفصل ثلثي حجرة الصالون مما يزيد من إلحاح الزوجة. وربط الكاتب بين القصة و بين قصة ذو اللحية الزرقاء التي تعبر وبشدة عن فضول الأنثى فذو اللحية الزرقاء منح لزوجتة 100 غرفة، سمح لها بدخول 99 غرفة ومنعها من دخول واحدة ولكن الفضول لم يمنعها من دخول الغرفة الواحدة. وهذا ما أحترمه جدا فيه - الكاتب و ليس ذو اللحية الزرقاء - لأنه يفتح للقراء الجدد مداخل جديدة للقراءة والبحث فلولاه ما عرفت أساتذة أدب مثل (ستيفن كنج) و(إدجار ألآن بو) وكثيرين غيرهم.. نصل في النهاية إلى رسالة من مدام ثريا القماش وهي زوجة الرجل الذي باع له عصام الشقة تخبره أنها تشم روائح نتنة خلف ذلك الجدار وتسمع أصوات غريبة وأنها ستهدم الجدار وبالفعل بناءا على بلاغ قدمه زوجها للشرطة قاموا بهدم الجدار لنفاجأ بجثتين لرجل وإمراءة بعد تفقد أوراقهما تبين أنهما محمود الشيمي وزوجته وأن عصام دعاهما إلى منزلة لتصفيه حسابات مادية و دس لهما مخدرا في شراب وجرهما إلى ذلك الجزء من الصالون وبنى بنفسه الجدار..... كعادة د. أحمد يسير بقصته في مسار محدد ثم ينحدر عنه فجأة دون سابق إنذار .
زوجة لطيفة حنونه تنتظره لتعد له العشاء، طفلة رقيقة تضحك في الفراش، ملاءه هفهافه رقيقة تغري بالنوم، تزحف الطفلة لتحتضن قدمه في حب، نتهض وتبدأ أولى خطواتها..... ولكنه للأسف كان قد إتفق على "الصفقة". إتفق ممدوح أحمد على صفقة مع أحد المسجلين الخطر على أن يقوم الأخير بقتل ممدوح الذي أضاع كل أمواله في البورصة، فكر ممدوح في الإنتحار ولكن بذلك لن تحصل زوجته و ابنته الوحيده على مبلغ التأمين وبالتالي قرر أن يبدو الأمر كأنه جريمة قتل فاتفق مع أبو هيبة ليقتله بعد ثلاثة أيام ولكن بسبب حظه العثر أو لحسن حظة أن الأسعار إرتفعت في البورصة ومستوردين يطلبون منه شحنات جديدة.. الأمور تتحسن بل ما يزيد تعقيدها أن زوجته تزداد لطفا وإبنته تتعلم المشي. يحاول ممدوح أن يلغي الصفقة مع أبو هيبة لكن الأمر ليس بهذه السهولة فالرجل اختفى تماما. دفعه ذلك إلى الذهاب إلى المكان المتفق عليه لإتمام الجريمة ليحاول إلغاءها وفي لحظه دوى الإنفجار في المكان فسقط ممدوح على الأرض و هو يصرخ :"لقد ألغيت الصفقةيا أبو هيبة".                                                           كان هذا الصوت هو إنفجار شكمان سيارة أما أبو هيبة فكان جالسا في مكانه المعتاد يلعب الطاولة ويستنشق الشيشة.. أبو هيبة لا يقتل هؤلاء المساكين الذين يمرون بأزمات نفسية أو مادية ولكنه يعالجهم بأن يسرق المقدم الكبير الذي يحصل علية. من الطبيعي ألا تشعر بإعجاب تجاه رجل مثله مسجل خطر وقتل أكتر من عشرين إنسان إلا أنه لا شك بليغ وحكيم في فكره فهو يقول "أن خسارة البلهاء أموالهم يجعلهم ينسون بلاهتهم".. أنارت لي القصة أمورا كثيره أولها أن آخر شيء نفكر فيه هو القلق على الرزق.
القصة السابعة بعنوان "إنهم يأتون ليلا".. تتحدث عن شقة تجذب الشباب العزاب فقط، كل ليلة يحضر إليها مجموعة من هؤلاء الذين يستطيعون الدخول إليها بدون الحاجة إلى كسر نافذة أو تهشيم باب.. يشربون الشاي والسجائر وينصروفوا قبل الفجر. محمود شكري مدرس فيزياء أعزب ووحيد كذئب، يقوم بمحاولات ليعرف من هؤلاء الذين يأتون ليلاً فيخفي كاميرا في الصالون ويراقب من شاشة في غرفة نومة.. يدق الهاتف فيجد من يلتقط السماعة ويرد، بالطبع أصيب بالذعر بعد أن رأى ما رآه و هو الذي لم يعرفه أحد بعد.. إلا أن محمود توفى وأصبح من هؤلاء الذين يأتون ليلا... أحببت في نهاية القصة كيف يتحدث واحد من الذين يأتون ليلا عن نفسة وعن محمود الساكن الجديد، و زاد إيماني بأن بالفعل هناك كائنات غير مرئية تعيش في عالمنا، ولها حياتها الخاصة.
القصة التالية عن جريدة "النظرة الثاقبة".. جريدة ليست من تلك الجرائد المحترمة وكذلك ليست من تلك الجرائد الصفراء التي تعتمد عى صورة عارية أو أخبار مثيرة لتجذب هؤلاء أصحاب القلوب الضعيفة. المختلف في هذه الجريدة أنها تعرف المستقبل، العاملون بها أشخاص جاءوا من الغد.. أخبار اليوم بالنسبة لهم ليست إلا ذكريات.. الفكرة مختلفة و جذيتني بشدة، عموما كل ما يتعلق بالمستقبل يجذب الإهتمام.                                                    أما عن صحف اليوم فلم أتمنى أن تخبرنا عن المستقبل ولكن أقصى ما أتمناه هو أن تستطيع إخبارنا بالحقيقة فقط.
"الآن أفهم".. القصة التي إتخذ المؤلف من عنوانها إسما للكتاب لكنها لم تكن كما توقعت أعتقد أنها الأسواء بالمقارنه بنظيراتها في الكتاب. تتلخص في شخص غريب الأطوار يحب المقابر ويهوى تسجيل الأصوات بها، أحب سلمى (أخت جاره) واصطحبها إلى المقابر لترى عالمه الساحر، أثناء سيرهما تعثرت قدمه ومن وراءه قدمها وسقطا في حفره عميقة، ظل يحاول تهدئتها ويقترب منها ليدفئها إلا أنه فهم أنه قد مات بعد أن رأت موخرة رأسة وقد تهشمت تماما وذراعة تدلت بلا حراك. "لم أفهم" المغزى من القصة، إلا أن هذا لا يمنع أن د. خالد مازال كاتبي المفضل.
الفضول الذي قتل القط هو نفسه الفضول الذي أنقذ حياة أشخاص براء من أي ذنب في "حدث في الخامس من مايو".. فتاة تمر غالبا بأزمة نفسية يدفعها ذلك إلى محاولة تفجير نفسها في البنك الذي تعمل به ولكن أحبط محاولتها أمران.. الأول أن الفتيات لا يتوقفن عن الثرثرة فلقد كتبت فاتن بالتفصيل كل ما تنتوي فعله في خطاب وأرسلته إلى صديقتها عزه وطلبت منها عدم فتح الخطاب إلا مساء الخامس من مايو (يوم تنفيذ العملية). أما الأمر الثاني فهو أن الفتيات فضوليات أكثر من اللازم فـ عزه لم تستطع إلا أن تفتح الخطاب ومن ثم تبلغ الشرطة التي أنقذت العملاء والعاملين في البنك في آخر لحظة. النتيجة أن الفضول لا يقتل دائما و إنما قد ينقذ حياة آخرين.
"و طفق ينتظر".. ينتظر أن يستيقظ من هذا الكابوس المرير.. رجل يتصور أنه يحلم كابوس طويل، مؤلم، مقزز، وينتظر لحظة الإستيقاظ ولكن الحقيقة أنها حياته فعلا وليست حلما على الإطلاق، تلك هي زوجتة فعلا، وهؤلاء الشياطين الصغار هم أولاده، والمصلحة المتهالكة التي يعمل بها حقيقة، والبلد المقفر الذي يعيش فيه هو مصر فعلا. رجل يعتقد أن حياته ما هي إلا حلما بل كابوس مزعج وينتظر أن يستيقظ منه. أثارني بشدة خيال د. خالد فماذا لو أن حيانتا هذه مجرد كابوس مزعج سينتهي ونستيقظ منه في عالم جميل، نظيف، ممتع. تخيل لو أن ما يحدث في مصر ما هو إلا كابوس سيصحو منه كل المصريين على بلدهم المتحضر، الديمقراطي، الذي سبق دول العالم الأول؟! فكرة ممتازة.
"في عزبة الفولي".. في عزبة الفولي مرأتان تفعلان أمورا غريبة.. شاب يعمل سائق تاكسي يطلب منه صاحب السيارة أن يوصل ثلاث نساء إلي عزبة الفولي. في منزل ريفي تترجل السيدات الثلاث ثم تعود واحد منهن تطلب من الشاب أن يتناول الغذاء ومبررها في ذلك أنهم ليسوا يهودا.. تناول الطعام ذو الطعم الغريب ثم عاد بإمرأتين فقط. تكرر الأمر أكثر من مرة وعندما راودته الشكوك حول النساء اللآتي لم يعدن أخبر صاحب السيارة الذي كان رده قاطعا: "افعل ما يطلبه الزبون ما دام يدفع لك". لم يتأكد من شكوكه إلا في إحدى المرات عندما كانوا في القرية وكان يلتهم الطعام ووجد في الحساء خاتم كتب علية (منى-هشام). وتأكد أكثر حينما قرأ في الجريدة خبر عن إختفاء منى منذ أسبوع، الخبر كان مقترن بصورة لإمرأة من هؤلاء اللواتي صحبن المرأتان إلى القرية من فترة. ومع ذلك فضولة لم يمنعه من الفرار هاربا ودفعه إلى أن يذهب بنفسه ليرى ما يحدث في ذلك المنزل. مرة أخرى الفضول.. الصفه التي لن يتخلص البشر منها أبدا. نهاية القصة عادية جدا ولم تحتاج لحذاقة لكي تتوقعها قد يكون السبب - على الأقل بالنسبة لي- أعتيادي على أسلوب د. خالد و تأثري الشديد به،و قد يكون السبب أنه ليس من الضروري أن جميع القصص تنال كل الإعجاب و من الطبيعي وجود بعض القصور..
و ختام الكتاب في "بعد الثانية صباحا".. أحببت طريقة سرد الحكاية  فمصمم الجرافيك الذي إستعان به أستاذ مراد هو الذي يحكي الحكاية وكأنه يتحدث مع مراد. أستاذ مراد صاحب مول تم إفتتاحة منذ فترة ليست بطويلة، العاملون فيه يقولون أنهم لاحظوا أن المانيكانات تغير أوضاعها وأماكنها وكأنها تتحرك طوال الليل، ومن ثم قام مراد بتسجيل ما يحدث في المول طوال الليل وعرضة على متخصص في الجرافيك الذي أكد له أنه ليس هناك أي خدع بصرية.    يقولون إن هناك فتاة كانت تعمل في المول ولكنها إختفت فجأة .. يقولون أنها ماتت هناك.. يقولون أن المكان الذي يقتل فيه أشخاص تظل فيه طاقة نفسية قد تحرك الأشياء وقد تتجسد أيضا. كل هذا دفع مصمم الجرافيك إلى البقاء ليلة في المول ليراقب المانيكانات. وبدأ العرض وشاهد بالفعل المانيكانات وهي تتحرك.. هرول إلى المكان تاركا مراد على الهاتف. بعد دقائق أتى مراد ليوضح له مصمم الجرافيك السر وراء كل هذا ثم يبدأ في مواجهتة بفعلته الشنعاء فهو الذي قتل الفتاة المسكينة، تحرش بها ولما رفضت إنهال بفأس أحد العمال ليهشم رأسها، ثم دفنها وألقى على جسدها الرمل والأسمنت وفي الصباح أشرف بنفسه على تركيب السيراميك وبذلك كان قد دفنها. في النهايه نفذت الطاقة الروحية إلى جسد مصمم الجرافيك لتنتقم من صاحب المول.
وهكذا إنتهى كتاب الآن أفهم للكاتب المبدع الدكتور أحمد خالد توفيق، ثلاثة عشر قصة أحببت منها أكثر مما كرهت   و الفضل في ذلك يرجع إلى إسلوب الكاتب السهل البسيط الذي يعتمد في معظمه على الإثارة والتشويق والأسلوب الساخر الذي يتميز به، وكذلك نكاتة التي لا يفهمها ولا يبتسم لها سوى قراءة المستديمين.
وإن كانت - أيها القاريء - هناك بعض القصص التي مازلت لا تتوقع نهايتها إذن أتمنى أن أكون قد نجحت في تشويقك وسأتركك تبحث عنها...


خواطر:

-  لسنا على حق دائما.
- آخر شيء تقلق علية وتفكر فيه بعمق هو رزقك.
- لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع.
- هناك كائنات أخرى في العالم سوانا ولها حياتها الخاصة ويجب علينا إحترام خصوصيتها.
- لا تثق في الآخرين بسهولة.. ولا تنجرف وراء شكوكك حول الآخرين بسهولة.




لأني أحبك...
















قدمه لكم.. سارة الدفراوي